كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



155- ثم قال جل وعز: {لهم دار السلام عند ربهم}.
ويجوز أن يكون المعنى دار السلامة أي التي يسلم فيها من الآفات ويجوز أن يكون المعنى دار الله جل وعز وهو السلام.
156- وقوله جل وعز: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس} المعنى فيما يقال لهم يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس أي كثر من أغويتم.
157- ثم قال جل وعز: {وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض} ففي هذا قولان أحدهما ان الجن أغوت إذا الانس وقبلت الانس منهم والقول الآخر أن الرجل كان إذا سافر في الجاهلية فخاف قال أعوذ بصاحب هذا الوادي من شر ما أحذر فهذا استمتاع الانس بالجن واستمتاع الجن بالانس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يجدون والقول الاول أحسن ويدل عليه {يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس}.
158- وقوله جل وعز: {قال النار مثواكم} المثوى المقام.
159- ثم قال جل وعز: {خالدين فيها الا ما شاء الله} في هذا قولان أحدهما أنه استثناء ليس من الاول والمعنى على هذا الا ما شاء الله من الزيادة في عذابهم.
وسيبويه يمثل هذا بمعنى (لكن) والفراء يمثله بمعنى (سوى) كما تقول لاسكننك فقال هذه الدار حولا الا ما شئت أي سوى ما شئت من الزيادة ومثله {خالدين فيه ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك} أي سوى ما شاء ربك من الزيادة قال أبو جعفر وقال أبو اسحاق معنى الاستثناء عندي هاهنا والله أعلم انما هو من يوم القيامة أي الا ما شاء ربك من مقدار محشرهم ومحاسبتهم ويدل على هذا الجواب {ويوم يحشرهم جميعا} لأن هذا يراد به يوم القيامة ويجوز أن يكون معنى ما شاء الله عز وجل أن يعذبهم من أصناف العذاب.
160- وقوله جل وعز: {يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم} والرسل من الانس ففي هذ جوابان أحدهما أنه روي عن ابن عباس أنه قال رسل الجن الذين لقوا قومهم فبلغوهم.
يعني ابن عباس الذين قالوا: {انا سمعنا قرآنا عجبا} وهم بمنزلة الرسل إلى قومهم لانهم قد بلغوهم وكذلك قال مجاهد الرسل في الانس والنذارة في الجن والقول الآخر أنه لما كانت الانس والجن ممن يخاطب ويعقل قيل ألم يأتكم رسل منكم وان كانت الرسل من الانس خاصة.
161- وقوله جل وعز: {كما أنشاكم} أي {من ذرية قوم آخرين} الانشاء ابتداء الخلق.
162- وقوله جل عز {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} فيه قولان أحدهما أن المعنى على تمكنكم والقول الآخر أنه كما تقول أثبت مكانك أي اثبت على ما أنت عليه فان قيل كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار فالجواب أن هذا تهدد كما قال جل وعز: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} ودل عليه قوله: {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} والمعنى على هذا اثبتوا على ما انتم عليه ان رضيتم بالنار.
163- وقوله جل وعز: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا} في الكلام حذف والمعنى وجعلوا لاصنامهم نصيبا ودل عليه {فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} قال مجاهد كانوا يجعلون لله جزء ولشركائهم جزءا فإذا ذهب ما لشركائهم عوضوا منه مما لله وإذا ذهب ما لله لم يعوضوا منه شيئا قال الأنعام البحيرة والسائبة وقال قتادة كانوا يجعلون لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فإذا هلك بعير لشركائهم أخذوا مما لله فجعلوه لشركائهم وإذا هلك بعير مما لله جل وعز تركوه وقالوا الله مستغن عن هذا وإذا أصابهم سنة أخذوا ما لله جل وعز فنحروه وأكلوه.
164- وقال الله عز وجل: {ساء ما يحكمون} فذم الله ذلك من فعلهم ويقال ذرأ يذرأ ذرء أي خلق.
165- وقوله جل وعز: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} يعني الموءودة قال مجاهد زين لهم الشياطين قتل البنات وخوفوهم العيلة قال غير مجاهد {شركاؤهم} هاهنا الذين يخدمون الاصنام.
166- وقوله عز وجل: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} قال قتادة الحجر الحرام.
وقيل هذه أشياء كانوا يجعلونها لاصنامهم لا يأكل منها الا من يشاؤهم خدم الاصنام والحرث هو الذي يجعلونه لنفقة أوثانهم ويحرمونها على الناس الا خدمها.
167- ثم قال جل وعز: {وأنعام حرمت ظهورها} قال قتادة يعني السائبة والوصيلة.
168- وقوله جل وعز: {وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} أي يذبحونها لآلهتهم ولا يذكرون عليها اسم الله فأعلم الله جل وعز أنه لم يأمرهم بهذا ولا جاءهم به نبي فقال تعالى: {افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون} وقيل معنى {وأنعام حرمت ظهورها} هو الحامي الذي ذكره الله جل وعز في قوله: {ولا وصيلة ولا حام}.
وقيل معنى {وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} السائبة لانها لا تركب فيذكر اسم الله عليها وقيل يذبحونها لاصنامهم فلا يذكرون اسم الله عليها والمحرمة ظهورها (السائبة والحامي والبحيرة) وأصحها ما بدأنا به.
170- وقوله جل وعز: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا} قال مجاهد يعني البحيرة والسائبة قال غيره كانوا إذا جعلوا لاصنامهم شيئا مما في بطون الأنعام فولدت مولودا حيا ذكرا كان للذكران دون الاناث وإذا ولدت ميتا ذكرا اشترك فين الذكران والاناث فذلك قوله تعالى: {وان يكن ميتة فهم فيه شركاء}.
وقال قطرب إذا أتأمت عشرا فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور الا أن يموت فيشترك فيه أكله الذكر والانثى وقرأ الاعمش {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالص لذكورنا} قال الكسائي معنى خالص وخالصة واحد الا أن (الهاء) للمبالغة كما يقال رجل داهية وعلامة.
وقال الفراء الخاء لتأنيث الأنعام لأن ما في بطون الأنعام مثلها وقرئ {خالصه لذكورنا} والمعنى على هذه القراءة ما خلص منه حيا لذكورنا {ومحرم على أزواجنا} أي الاناث قال مجاهد معنى {سيجزيهم وصفهم} أي سيجزيهم كذبهم والتقدير عند النحويين سيجزيهم جزاء وصفهم الذي هو كذب.
170- وقوله جل وعز: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} يعني قتلهم البنات جهلا.
171- ثم قال جل وعز: {وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين} قال أبو رزين ولم يكونوا مهتدين قبل ذلك.
172- وقوله جل وعز: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات} أنشأ خلق وابتدع والجنات البساتين.
وقيل المعروشات الكروم {والنخل والزرع مختلفا أكله} أي ثمره لأنه مما يؤكل {والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه} قيل مشتبه في المنظر ومختلف في المطعم فيه حلو وحامض وقيل يشبه بعضه بعضا في الطعم ومنه مالا يشبه بعضه بعضا في الطعم.
173- ثم قال جل وعز: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} في هذه الآية ثلاثة أقوال.
فمذهب ابن عمر وأبي الدرداء وسعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء أن عليه أن يصدق منه سوى الزكاة المفروضة والقول الثاني أن الآية منسوخة قال ابراهيم النخعي نسخها العشر ونصف العشر وروى عن الحسن قولان روى سفيان عن يونس عن الحسن قال نسختها الزكاة المفروضة والقول الآخر وهو القول الثالث في الآية رواه شعبة عن أبي الرجاء قال سألت الحسن عن قوله جل وعز: {وآتوا حقه يوم حصاده} فقال الزكاة المفروضة.
وكذلك قال ابن عباس وأنس بن مالك وابن الحنفية وجابر بن زيد وسعيد ابن المسيب وطاووس وقتادة والضحاك وراه ابن وهب عن مالك قال هي الصدقة المفروضة والقول الاول أولاها لأنه يبعد أن يعني به الزكاة المفروضة لأن الأنعام مكية والزكاة انما فرضت بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ويقوي القول الاول حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن جذاذ الليل قال سفيان كي يحضر المساكين قال سعيد بن المسيب ومعنى {ولا تسرفوا} ولا تمتنعوا من الصدقة فتهلكوا وقال غيره معنى {ولا تسرفوا} لا تدفعوا كل ما لكم إلى الغرباء وتتركوا عيالكم كما روي: «ابدأ بمن تعول» السرف في اللغة المجاوزة إلى ما لا يحل وهو اسم ذم أي لا تنفقوا في الوجوه المحرمة حتى لا يجد السائل شيئا وقيل معنى {ولا تسرفوا} لا تنفقوا أموالكم فيما لا يحل لأنه قد أخبر عنهم أنهم قالوا: {وهذا لشركائنا}.
174- وقوله جل وعز: {ومن الأنعام حمولة وفرشا} وروى أبو الاحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال (الحمولة) ما أطاق الحمل من الابل والفرش ما لم يطق الحمل وكان صغيرا.
قال أبو جعفر وهذا المعروف عند أكثر أهل اللغة وقال الضحاك الحمولة من الابل والبقر والفرش الغنم واستشهد لصاحب هذا القول بقوله: {ثمانية أزواج} قال فثمانية بدل من قوله: {حمولة وفرشا} قال الحسن الحمولة الابل والفرش الغنم.
175- ثم قال جل وعز: {كلوا مما رزقكم الله} وهو أمر على الاباحة.
176- ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} يعني طرقه أي طريقه الذي يحسنه لكم.
وقيل تخطيه الحلال إلى الحرام وقيل يعني آثاره.
177- وقوله جل وعز: {ثمانية أزواج} كل فرد يحتاج إلى آخر عند العرب زوج.
178- ثم قال تعالى: {من الضأن اثنين} وهو جمع ضائن كما يقال راكب وركب.
179- ثم قال جل وعز: {ومن المعز اثنين} وهذا احتجاج عليهم أي ان كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وان كان حرم الاناث فكل أنثى حرام واحتج عليهم بهذا لانهم أحلوا ما ولد حيا ذكرا للذكور وحرموه على الاناث ان كان انثى قال قتادة أمره الله جل وعز أن يقول لهم {آلذكرين حرم أم الانثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الانثيين} ان كان ما اشتملت عليه أرحام الانثيين حراما فكل مولود منها حرام وكلها مولود فكلها إذا حرام وان كان التحريم من جهة الذكور من الضأن والمعز فكل ذكر حرام عليكم وان كان من جهة الاناث فكل أنثى حرام عليكم وكانوا يحرمون الوصيلة وأخاها على الرجال والنساء.
180- ثم قال جل وعز: {نبئوني بعلم ان كنتم صادقين} أي ليس عندكم علم لانهم لا يؤمنون بكتاب.
181- ثم قال جل وعز: {أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا} أي لستم تؤمنون بكتاب فهل شهدتم الله عز وجل حرم هذا.
182- ثم بين ظلمهم فقال: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا}.
ثم بين أنه لا يحرم الله شيئا الا بوحي فقال: {قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه} روي عن عائشة رحمة الله عليها {على طاعم طعمه} وعن أبي جعفر محمد بن علي {طاعم يطعمه}.
184- ثم قال جل وعز: {الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا} قال قتادة المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال.
184- ثم قال جل وعز: {فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسم الله وسماه فسقا لأنه خارج عن الدين.
والمعنى أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا أهل لغير الله به فانه رجس والموقوذة والمتردية والنطيحة داخلة في هذه الآية عند قوم لانها أصناف الميتة فأما ما لم يدخل في هذه الآية عند قوم ففيه قولان أحدهما أنه روي عن عائشة وابن عباس أن الآية جامعة لجميع ما حرم من الحيوان خاصة وأنه ليس في الحيوان محرم الا ما ذكر فيها والقول الآخر أن هذه الآية محكمة جامعة للحيوان وغيره وثم أشياء قد حرمها الله سوى هذه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير» فقيل هذا قول قوي في اللغة لأن (ما) مبهمة فقوله جل وعز: {قل لا أجد فيما أوحي الي محرما} يجب أن يكون عاما للحيوان وغيره والله أعلم بما أراد.
185- ثم قال جل وعز: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} أحسن ما قيل في الباغي الذي يأكل مضطرا لا متلذذا والعادي الذي يجاوز ما يقيم رمقه.
186- وقوله جل وعز: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال مجاهد وقتادة والضحاك {كل ذي ظفر} الابل والنعام قال قتادة وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وما أشبهه وهو عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب ودخل في ذا ما يصطاد بظفره من الطير وجميع أنواع السباع والكلاب والسنانير.
187- ثم قال جل وعز: {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما} قال قتادة هي شحوم الثروب خاصة ومذهب ابن جريج أنه كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم.
وهذا أولى لعموم الآية وللحديث المسند: «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها» {إلا ما حملت ظهورهما} أي الا شحوم الجنب وما علق بالظهر فانها لم تحرم عليهم {أو الحوايا} قال مجاهد وقتادة الحوايا المباعر قال أبو عبيدة هي عندي ما تحوى من البطن أي استدار قال الكسائي واحدها حاوية وحوية.
وحكى سيبويه حاوياء قيل المعنى حرمنا عليهم شحومها ثم استثنى فقال: {الا ما حملت ظهورهما} ثم عطف على الاستثناء فقال: {أو الحوايا أو ما اختلط بعظم} أي الا هذه الاشياء فانها حلال وقيل المعنى حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم الا ما حملت ظهورهما فيكون ما بعد {الا} استثناء على هذا القول داخلا في التحريم ويكون مثل قوله تعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} و{أو} هاهنا بخلاف معنى الواو أي لا تطع هذا الضرب وقال الكسائي {الا ما حملت ظهورهما} {ما} في موضع نصب على الاستثناء والحوايا في موضع رفع بمعنى وما حملت الحوايا فعطف الحوايا على الظهور.
188- ثم قال جل وعز: {أو ما اختلط بعظم} قال فعطفه على المستثنى وهذا أحد قولي الفراء وهذا أصح هذه الاقوال والله أعلم.
189- ثم قال جل وعز: {ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون} قال قتادة حرمت عليهم هذه الاشياء عقوبة لهم على بغيهم.
190- وقوله جل وعز: {فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة} قال مجاهد يعني اليهود.